الكتاب المقدس

هل الإنجيل واحد أم أربعة أناجيل؟

يعتقد المسلمين أن الإنجيل هو كتاب منّزل من الله على يسوع المسيح، وهذا فهم خاطئ، مرجعه الأول هو عدم الدراية الكاملة بمعنى كلمة إنجيل، فالمسيح لم يكتب الأناجيل أو أي سفر من الكتاب المقدس. الإنجيل كلمة يونانية “إيفنجليون” تعني “البشارة” أو “الخبر السار” وهذه البشارة تتعلق بيسوع المسيح. فالخبر المفرح والسار هو واحد، أن الله افتقد أرضنا عندما جاء المسيح إلينا ليعلن لنا محبة الله، وأنه يرغب في خلاص البشر.
مثلاً يمكن أن يكتب مجموعة من الأشخاص تاريخ مصر، لن يعني هذا أن هناك أكثر من تاريخ لمصر أو أن الحدث ذاته جرى بعدة طرق مختلفة في الوقت ذاته، بل إن كل واحد من المؤرخين نقل روايته عن الأحداث ذاتها. وبنفس الطريقة أوحى الله الى أربعة من تلاميذ المسيح أن يدونوا الإنجيل، فوجهات النظر الأربعة هذه تعطي صورة دقيقة وكاملة عن شخص يسوع المسيح. هذه الأناجيل الأربعة التي كتبها متى ومرقس ولوقا ويوحنا بإلهام الروح القدس، هي تُكَوِن معاً إنجيلاً واحداً. ولا يوجد أي تناقضات في الأناجيل وإن كان الحوار يختلف في طريقة وصف الحدث ولكنه لا يوصف عكس الحدث.

 لكلٍ من الأناجيل الأربعة ميزاته الخاصة التي ينفرد بها، ولكنها كلها مجتمعة معاً لها قصد واحد هو أن تصف لنا يسوع الناصري المنقذ المنتظَر ومشتهَى كل الأمم. متى كتب لليهود الذين بين أيديهم كتب الأنبياء القدماء عن المسيح ابن الإنسان، ومرقس كتب للرومان الذين كانوا أصحاب مملكة قوية ذات سلطة عظيمة عن المسيح ابن الله صانع المعجزات، ولوقا كتب لكل الأمم بدون تمييز عن المسيح الفادي، ويوحنا كتب الإنجيل بنوع خاص لكنيسة المسيح المؤلَّفة من الذين دُعوا من هذه الأمم وصاروا بالنعمة من أهل بيت الله.

1 – إنجيل متى

كتب مَتى لليهود، لإقناعهم أن إتمام نبوات العهد القديم عن المسيا (المسيح) المخلّص الآتي قد تحققت في يسوع الناصري. وهو أيضاً بغاية المناسبة ليُفتتح به العهد الجديد، لأنه يظهر العلاقة بين العهد الجديد والعهد القديم. ويشرح ظهور ابن الله، ليس كحَدَث مستقل بذاته، على سبيل تاريخ، بل كإتمام سلسلة نظام تاريخي ونبوي، مرتَّبة من الله. وقد ابتُدئ بها من قديم الزمان. وقد كتب متى إنجيله باللغة الأرامية التي كانت لغة اليهود العامية ليفيد المؤمنين الذين جاءوا من أصل يهودي (عكس باقي أسفار العهد الجديد التي كتبت باللغة اليونانية). وقد اقتبس متى نحو أربعين آية من العهد القديم ليُثبت بها حجّته، ويُظهِر كيفية إتمام ما قيل بالأنبياء عن المسيا (المسيح).

2 – إنجيل مرقس

كتب مرقس إنجيله إلى الرومان. وهو مثل متى يخبرنا عن وظيفة المسيح الملوكية. كتب إنجيله بكيفية يستطيع معها قراؤه من الرومان أن يفهموا ويدركوا رسالة يسوع المسيح صاحب السلطان. ولم يذكر مرقس سلسلة أنساب المسيح، بل استهلَّ كلامه بالخبر عن ظهور المسيح في سن البلوغ وبأعمال سلطانه الفائق. ويتضمن إنجيل مرقس سجلاً حافلاً بالمعجزات التي صنعها المسيح، والتي تُظهر قوته الفائقة وسلطانه على العالم المنظور وغير المنظور.

إن وجود تفاصيل جلية كلية الوضوح في هذا الإنجيل يجعلنا نسلّم أنه صدر عن شاهد عيان. مثلاً يتذكر الكاتب اخضرار العشب (إنجيل مرقس 39:6) والوسادة التي كان يسوع نائماً عليها (إنجيل مرقس 38:4). والمتأمل بعمق في هذا الإنجيل يلاحظ أنه كُتب بصورة تناسب طبيعة وآراء الرومان أصحاب المملكة التي كانت يومئذ في أوج عظمتها، وكان مُلكهم قوياً، وإمبراطوريتهم واسعة جداً. لذلك حرص مرقس على أن يُريهم في إنجيله المسيح ملكاً أقوى، وصاحب ملكوت أوسع. وبقدر ما نظر متّى إلى يسوع كملك معيَّن من قديم الزمان وقد أخبر عنه بالأنبياء، يترك مرقس ذكر النبوات ولا يشير إليها.

3 – إنجيل لوقا

اتجه لوقا بكتابته نحو العموم، فقدَّم الإنجيل كدستور صالح لكل الجنس البشري، لا فرق بين جنس أو لون أو شعب أو أمة أو لسان. ويتتبع لوقا نسب المسيح ليس إلى إبراهيم فقط كما فعل متى، بل إلى آدم أب البشر جميعاً. ويكشف عن محبة المسيح للإنسان بنوع أجلى وأسمى مما نرى في بقية البشائر. ويصوّر لنا ببراعته الباهرة يسوع الإنسان بأسلوب جذاب، يجعله محبوباً من جميع البشر.

إنجيل لوقا هو الإنجيل الاجتماعي، إنجيل الفقراء والمعوَزين والمرضى والبائسين. ففيه ذكر زيارة ملاك الله لعذراء الناصرة الفقيرة، وظهور الملائكة للرعاة المساكين في برية بيت لحم، ولعازر المصاب بالقروح والذي كان يتناول الفتات الساقط الذي تبقّى من طعام كلاب الغني! وهو الذي تفرَّد بذكر مثَل السامري الصالح. ناسياً ما كان بين اليهود والسامريين من خلاف. وفيه مَثَل الفريسي والعشار، وقصة الابن الضال، وقصة مريم المجدلية، وتوبة اللص التائب بكل ما فيها من اللمسات الإنسانية.

ويظهر لوقا لنا الجانب الاجتماعي من حياة المسيح نفسه، إذ يُرينا إياه في صلاته العائلية، وصداقته للناس. منها تناول العشاء في بيت سمعان الفريسي، وبيت زكا العشار.

وفي كتابات لوقا نلتقي بيسوع الصديق والأخ، الذي يقف إلى جانبنا مبيّناً لنا شعوره معنا في كل تجاربنا وأحزاننا. ففيه نرى المحب المهتم باليتامى والأرامل والمنبوذين والمطرودين من أجل البر، والمعذَّبين في الأرض.

4 – إنجيل يوحنا

كتب يوحنا إنجيله للمؤمنين بالمسيح من كل أمة، ليثبّتهم في إيمانهم بيسوع ابن الله ونور العالم وحياته. وهذا يظهر في قوله: «وَأَمَّا هَذِهِ الآيَاتُ فَقَدْ دُوِّنَتْ لِتؤْمِنُوا بِأَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ إِذْ تُؤْمِنُونَ.» (إنجيل يوحنا 20: 31).

ومن مزايا الإنجيل بحسب يوحنا أنه إنجيل الحق، فقد وردت فيه كلمة «الحق» 62 مرة. وتكررت «الحق الحق» 24 مرة في هذا الإنجيل، على لسان المسيح وحده. فالمسيح هو الحق الذي يقول الحق، كل الحق.

ويمتاز إنجيل يوحنا بأنه يناسب كل قارئ مهما كانت لغته وجنسيته، ففي صفحاته كلمات جامعة تناسب جميع البشر في كل جيل وعصر، وكأنها تقوم أمامه واثبةً لتحيّيه بلغته الخاصة، لأنها تلامس القلب «المحبة، الحياة، النور، الحق، الخبز، الماء».

صحيح أن الإنجيليين الآخرين رأوا وأعلنوا مجد المسيح، ولكن يوحنا الملقَّب بالحبيب، واللاهوتي، كان يتمتع بروحٍ تأمُّلي مدهش وبمحبة فائقة ليسوع المسيح، لأنه تأهَّل من الله ليرى من خلال إعلانات يسوع عظمة الله الذي ظهر في الجسد. فلم يبدأ إنجيله من حادثة زمنية كميلاد يسوع بن داود بن إبراهيم، ولا من خلق آدم، ولا من شروع المسيح في خدمته بين الشعب، بل بدأ من أعماق الأزل، إلى أن أُعلن ظهوره كوحيدٍ من الآب مملوءاً نعمة وحقاً.

حين نقارن بين الإنجيل بحسب يوحنا والأناجيل الأخرى، نرى أنه يمتاز عنها في أمور أخرى كثيرة، منها أن متى ومرقس ولوقا يخبروننا خصوصاً عن تاريخ حياة المسيح على الأرض وسيرته بين الناس، وعن الأمور التي حدثت له في مدة ثلاث سنين ونصف قضاها في خدمته الجِهارية. أما يوحنا فيحدثنا عن أسرار شخصه ولاهوتيّة تعاليمه.

زر الذهاب إلى الأعلى
يلا اضغط هنا
1
نحن هنا للتحدث معك
مرحبا 👋
👈 إذا عندك أي سؤال أو استفسار
لا تتردد في التواصل معنا
سواء بالكتابة أو بالصوت
تواصل معنا الآن 👇